مَثَلُ عِيسَى عِنْدَ الله جَلَّ فِي عُلاَه

17 Octobre 2013, 16:51pm

Publié par Ghurabae

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله، على آله و صحبه و من اتبع هداه؛ و بعد

يقول الله سبحانه و تعالى في شأن عبده المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً 29 قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً 30 وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً 31 وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً 32 وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً 33 ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ 34 مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ 35 وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ 36 فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ 37 }. [مريم]

قال مجاهد ( فَاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ ) قال:" أهل الكتاب "(1). و قال قتادة:" ذكر لنا أن لما رُفع ابن مريم، انتخبت بنو إسرائيل أربعة من فقهائهم، فقالوا للأوّل: ما تقول في عيسى؟ قال: هو الله هبط إلى الأرض، فخلق ما خلق، وأحيا ما أحيا، ثم صَعِد إلى السماء، فتابعه على ذلك ناس من الناس، فكانت اليعقوبية من النصارى؛ وقال الثلاثة الآخرون: نشهد أنك كاذب، فقالوا للثاني: ما تقول في عيسى؟ قال: هو ابن الله ، فتابعه على ذلك ناس من الناس، فكانت النَّسطورية من النصارى؛ وقال الاثنان الآخران: نشهد أنك كاذب، فقالوا للثالث: ما تقول في عيسى؟ قال: هو إله، وأمه إله، والله إله، فتابعه على ذلك ناس من الناس، فكانت الإسرائيلية من النصارى، فقال الرابع: أشهد أنك كاذب، ولكنه عبد الله ورسوله، هو كلمة الله وروحه؛ فاختصم القوم، فقال المرء المسلم: أنشدُكم الله ما تعلمون أن عيسى كان يَطعم الطعام، وأن الله تبارك وتعالى: لا يطعم الطعام قالوا: اللهمّ نعم، قال: هل تعلمون أن عيسى كان ينام؟ قالوا: اللهمّ نعم ، قال فخصمهم المسلم؛ قال: فاقتتل القوم. قال: فذُكر لنا أن اليعقوبية ظهرت يومئذ وأصيب المسلمون، فأنـزل الله في ذلك القرآن ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )."اهـ (2)

و هذا مثل ضربه الله سبحانه مبينا فيه بطلان قولهم، قول { تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً 90 أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً 91 } [مريم]

يقول جلَّ و علا { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 59 الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ 60 } - [آل عمران]

يقول ابن أبي حاتم في " تفسيره / ج 2 ص 665 " :

" 3607 ـ حدثنا محمد بن إسحاق: (إن مثل عيسى عند الله) فاستمع (كمثل ادم خلقه من تراب) فان قالوا: خلق عيسى من غير ذكر، فقد خلقت ادم من تراب بتلك القدرة من غير أنثى ولا ذكر، وكان كما كان عيسى لحما ودما وشعرا وبشرا، فليس خلق عيسى من غير ذكر بأعجب من هذا. " اهـ

هو محمد بن إسحاق بن جعفر ثقة ثبت

يقول الطبري في " تفسيره / ج 5 ص 460 - 463 " :

" حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}: ذكر لنا أن سيِّدَيْ أهل نجران و أُسْقُفَّيْهِم السيدَ و العاقب، لقِيا نبيَّ الله صلى الله عليه و سلم فسألاه عن عيسى؟ فقالا: كل آدميٍّ له أبٌ، فما شأن عيسى لا أب له؟ فأنزل الله عز و جل فيه هذه الآية {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله عز و جل: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ}. قال: أتى نجرانيّان إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالا له: هل علمت أن أحدا وُلد من غير ذكر فيكون عيسى كذلك ؟ قال: فأنزل الله عز و جل {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، أكان لآدم أب أو أم ! كما خلقت هذا في بطن هذه. "اهـ

يقول السعدي في " تفسيره " :

" ضرب الله تعالى هذا المثل للنصارى ليبين لهم بطلان زعمهم وادعائهم أن عيسى ليس له والد،استحق بذلك أن يكون ابن الله أو شريكا لله في الربوبية، وهذا ليس بشبهة فضلا أن يكون حجة.

ذلك أن آدم عليه السلام خلقه الله من تراب لا من أب و لا أم، فإذا كان ذلك لا يوجب لآدم ما زعمه النصارى في المسيح، فالمسيح مخلوق من أم بلا أب من باب أولى و أحرى، فإن صح ادعاء البنوة و الإلهية في المسيح، فادعائها في آدم من باب أولى و أحرى، ولذلك جاء هذا المثل مبينا أن الذي أخبر به الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه و سلم من شأن المسيح عليه السلام، هو الحق الذي في أعلى رتب الصدق الذي لا شك و لا ريب فيه، لكونه من ربه الذي من جملة تربيته الخاصة له صلى الله عليه سلم و لأمته أن قص عليهم ما قص من أخبار الأنبياء عليهم السلام.

لذلك قال تعالى في آخر الآية (فلا تكن من الممترين) أي: يا محمد لا تكن من الشاكين في شيء مما أخبرك به ربك. " اهـ

هذا و صل اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

يقول الطبري في " تفسيره" :

(1) حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد به.

(2) حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة به.

Commenter cet article